كتاب: فتاوى الرملي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) عَنْ الْأَرْضِينَ هَلْ طِبَاقٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إنَّهَا سَبْعُ أَرْضِينَ طِبَاقًا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَأَرْضٍ مَسَافَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ كَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ وَفِي كُلِّ أَرْضٍ سُكَّانٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، ثَانِيهَا سَبْعُ أَرْضِينَ وَلَكِنَّهَا مُطْبَقَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ فُتُوقٍ فَلَا فُرْجَةَ بَيْنَهُنَّ بِخِلَافِ السَّمَوَاتِ وَثَالِثُهَا أَنَّهَا سَبْعَةُ أَقَالِيمَ لِظُهُورِ أَمْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ فِي إقْلِيمٍ مِنْهَا وَرَابِعُهَا أَنَّهَا سَبْعُ أَرْضِينَ مُنْبَسِطَةٍ لَيْسَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا الْبِحَارُ.
وَقِيلَ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ خَبَرَ: «أَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَاَلَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ»، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِثْفُ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَكِثَفُ الثَّانِيَةِ مِثْلُ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ كُلِّ أَرْضِينَ مِثْلُ ذَلِكَ».
(سُئِلَ) عَمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ كُلِّ إمَامٍ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ وَمَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْأُصُولِ إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ اعْتِقَادُ أَرْجَحِيَّةِ مَذْهَبِ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ مُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهَلْ إذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ فِي كُتُبِ الْمُقَلِّدِينَ الْآنَ مَنْقُولَاتٍ عَنْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْمَهْجُورَةِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهِ وَالْعَمَلُ تَقْلِيدًا لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ الْمَذْكُورُ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ الْمَذْكُورِ وَاضِحُ الْمَعْنَى إذْ الِاعْتِقَادُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ فَضْلًا عَنْ النَّظَرِ فِيهِ لِحُصُولِهِ بِالتَّسَامُعِ بَيْنَ النَّاسِ وَنَحْوِهِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَاحِدِ تَقْلِيدُ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ لَا لِنَقْضِ اجْتِهَادِهِ بَلْ لِانْتِفَاءِ الثِّقَةِ بِمَذْهَبِهِ إذْ شُهْرَةُ الْمَذَاهِبِ سَبَبٌ لِظُهُورِ تَقْيِيدِ مُطْلَقِهَا وَتَخْصِيصِ عُمُومِهَا وَبِانْتِفَائِهَا تَنْتَفِي الثِّقَةُ بِمَذْهَبِهِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ رَوَى حَدِيثًا هُوَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ عَمِلَهَا إلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَاعْتُرِضَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْ» فَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ أَمْ بَاطِلٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَمَا الْجَوَابُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ: «مَا أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا» وَهُوَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ شَرَفِهِ وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ زِيَادَةً عَلَى عِصْمَتِهِ.
ثَانِيهَا إبْقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ لَهُ وَجَوَازُ وُقُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ.
ثَالِثُهَا أَنَّ أَوْ فِيهِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَيَكْفِي فِي صِدْقِهِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْهَمِّ مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ إذْ هُوَ مَيْلُ الطَّبْعِ وَمُنَازَعَةُ الشَّهْوَةِ لَا الْقَصْدُ الِاخْتِيَارِيُّ وَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ التَّكْلِيفِ بَلْ الْحَقِيقُ بِالْمَدْحِ وَالْأَجْرِ الْجَزِيلِ مَنْ كَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الْفِعْلِ عِنْدَ قِيَامِ هَذَا الْهَمِّ أَوْ مُشَارَفَتِهِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ جَارِيَةٌ عَلَى رَأْيِ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ صَغِيرَةً سَهْوًا.
رَابِعُهَا جَوَازُ خَطَئِهِ بِفِعْلِهِ صَغِيرَةً مِنْ غَيْرِ صَغَائِرِ الْخِسَّةِ سَهْوًا لَا الدَّالَّةَ عَلَى الْخِسَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يُنَبَّهُوا فَيَنْتَبِهُوا.
خَامِسُهَا جَوَازُ خَطَئِهِ بِاجْتِهَادِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهِ عَلَيْهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ خِلَافَهُ.
(سُئِلَ) عَنْ إبْلِيسَ هَلْ كَانَ جِنِّيًّا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} فَكَيْفَ تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ لِلْمَلَائِكَةِ خَاصَّةً؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ أَمْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ وَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ وَكَانَ رَئِيسَ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُهَا وَسُلْطَانُ الْأَرْضِ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلَائِكَةِ اجْتِهَادًا، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَكَانَ لَهُ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرَأَى لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ شَرَفًا وَعَظَمَةً فَذَلِكَ الَّذِي دَعَاهُ إلَى الْكُفْرِ فَعَصَى فَمَسَخَهُ اللَّهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ} فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فِعْلًا وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ نَوْعًا وَمِنْهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ رَوَيَا أَنَّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ضَرْبًا يُقَالُ لَهُمْ الْجِنُّ وَمِنْهُمْ إبْلِيسُ خُلِقَ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: إنَّهُ أَبُو الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ وَلَمْ يَكُنْ مَلَكًا لَكِنْ لَمَّا نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ مَأْمُورًا بالألون مِنْهُمْ فَغَلَّبُوا عَلَيْهِ، وَالْجِنُّ مَأْمُورُونَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ لَكِنَّهُ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَكَابِرَ مَأْمُورُونَ بِالتَّذَلُّلِ لِأَحَدٍ وَالتَّوَسُّلِ بِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَصَاغِرَ أَيْضًا مَأْمُورُونَ بِهِ.
وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْضِ وَقَاتَلَهُمْ الْمَلَائِكَةُ فَسَبَوْهُ صَغِيرًا وَتَعَبَّدَ مَعَهُمْ وَخُوطِبَ وَاحْتَجَّ لِكَوْنِهِ مِنْ الْجِنِّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ بِقَوْلِهِ: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَبِقَوْلِهِ: {إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ} وَالْجِنُّ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(سُئِلَ) عَنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثًا هَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ مَسْحُ الْوَجْهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ سُنَّةٌ، وَأَصْلُهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَيْ الْقُرْآنِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ فَإِنْ قُبِضَ قُبِضَ شَهِيدًا، وَإِنْ عَاشَ عَاشَ مَغْفُورًا لَهُ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ خَبَرَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُصْبِحُ وَحِينَ تُمْسِي ثَلَاثًا تَكْفِك مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
بَلْ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي فَضْلِ قِرَاءَتِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ قِرَاءَتِهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ مِنْهَا خَبَرُ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ» وَمِنْهَا خَبَرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذًا نَسْتَكْثِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ».
وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ عِنْدَهَا فَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ فِي فَضْلِ قِرَاءَتِهَا أَحَدَ عَشَرَ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ وَثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَمِائَةً وَمِائَتَيْنِ وَثَلَثَمِائَةٍ، وَأَلْفَ مَرَّةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ اخْتَصَّتْ بِفَضَائِلَ عَظِيمَةٍ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْمُؤْمِنِ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ مَنْ قَامَ بِهِ التَّصْدِيقُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الشَّكَّ فِي الْحَالِ، وَالشَّكُّ لَا يُجَامِعُ الْإِيمَانَ، وَهَذَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنَا حَيٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا شَابٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَشِيئَةِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُشَكُّ فِي ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي مَعْدُومِ خَطَرِ الْوُجُودِ لَا فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ قَطْعًا وَذَهَبَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْجَزْمِ وَلَيْسَ شَكًّا فِي الْإِيمَانِ الْحَالِ فَإِنَّهُ فِي الْحَالِ مُتَحَقِّقٌ لَهُ جَازِمٌ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ إلَى الْخَاتِمَةِ الَّتِي يَرْجُو حُسْنَهَا بَلْ لَمَّا كَانَتْ آيَةُ النَّجَاةِ إيمَانَ الْمُوَافَاةِ، وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا وَذَلِكَ غَيْبٌ لَا سَبِيلَ لِلْمَخْلُوقِ إلَى الْعِلْمِ بِهِ فَوَّضَهُ إلَى الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ النِّزَاعُ فِيهِ أَوْ يُقَالُ أَتَى بِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ، وَإِحَالَةِ الْأُمُورِ إلَى مَشِيئَتِهِ تَأَدُّبًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ: «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» مَعَ كَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ.
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِيمَانِ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَعْنَى فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّجَاةُ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا قَطْعَ بِحُصُولِهِ فِي الْحَالِ فَمَنْ قَطَعَ بِالْحُصُولِ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَمَنْ فَوَّضَ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ الثَّانِيَ.
(سُئِلَ) أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْعَسَلُ أَمْ اللَّبَنُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ اللَّبَنَ أَفْضَلُ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ إنَّهُ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا وَلَوْ لَحْظَةً هَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى يَدْخُلَ سَيِّدُنَا عِيسَى مَعَ شَرَفِ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أُولَى الْعَزْمِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الْفَائِدَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَمَا وَسِعَهُمَا إلَّا اتِّبَاعِي»؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَقَوْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللُّقْيَا الْمُتَعَارَفُ لَا مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ خَرْقِ الْعَادَةِ وَمَقَامُهُمْ فَوْقَ رُتْبَةِ الصُّحْبَةِ.